أسطورة بغداد
شعر: عمر إدلبي
أول العابراتِ إلى ضفة الحزنِ
ناجيةً من هبوب البكاءْ
أجمل الساحراتِ،
سلاماً على ظلِّ داليةٍ
فوق أكتافها
حملت أزرقَ الله دهراً،
سلاماً على آخر الصحوات الجميلة للوردِ
وهي تنام على موعدٍ للدماءْ.
بدءُ رعشتها
ومضةٌ تحت سقف السماءِ
أتمّت رضى الكونِ،
ماذا تريدُ الجميلةُ بعدُ؟
لبغدادَ أن تشتهي،
سيقيم بها النهرُ إمّا تشاءُ،
وإّما أرادت فنهرانِ
ليسا كثيراً على دمعها،
سوف يحرس نومَ رياحينها النّخلُ،
يا بحرُ بلّل بأسرارك الزرق أثوابها الذهبيَّةَ
يا غيمُ مرَّ بها
كلما الشمسُ أَدلتْ لها دلوَهَا،
واحتجبْ
حين يأتي أميرُ النجومِ
ليمطرَ فضّته في أصيص المساءْ.
يا عصافيرُ حطّي على صوتها
لتنامَ القصائدُ في شرفات البيوتِ
وزمّل أمانيَّها يا ربيعُ
بما آنست راحتاكَ
من الياسمينِ بثوب دمشقَ
فغيضَ اليباسُ
وقيلَ بحضرتها:
الحمدُ للنورِ
ها جنّةٌ أكملت تاجَ نعمتها
فاسجدوا لإله الضياءْ.
ذاك مولدها،
ويقولُ المغني:
السماءُ الجميلةُ منفطرٌ
بتورّدِ وجنتها
تشعل الحلمَ في شمعدان النجومِ
وتنسلُّ من موكب اللازوردِ
وتطوي المدارا.
ويقولُ:
تنزَّل بين يديها الملائكُ
والحورُ طفن بأكواب كوثرهنَّ
على رقصات أناشيدها
وأقمن صلاة العبير
لحمد فرات مدامعها
ليكحلن أهدابهنَّ
فأَدْلَتْ جدائلَها
وتنزل ليلٌ بهيٌّ
أوان أظلت بغيم يديها النهارا.
ذاك مولدها،
والطغاةُ إذا دخلوا جنة الله
صارت دمارا.
لم تكن تلك صرختها،
فالأميرة نائمةٌ
تحت شال ضفائرها
في سرير الظلالِ،
وتغفو على راحتيها السهولُ.
فجأةً
والسماء ترتب غيماتها
قربَ باب الشتاءِ
تسلل شوكٌ على هيئة الحلمِ،
بغدادُ تحلمُ
أن طواحين نارٍ تدور بقرب وسادتها
وكثيراً من الريح
تعصر خمراً على الشالِ،
يا نارُ كوني سلاماً
ويا ريحُ هزي لها النخلَ
كيما تقرَّ الأميرة عيناً
وتهنأ أحلامُها السلسبيلُ.
لم يكن لدعاءِ السماء خيولٌ مجنحةٌ
كان أن سار في الطرقاتِ
على قدمين من الشمعِ
والنار تأكله خطوةً
خطوةً،
والأميرة خائفةٌ
تعصف الريحُ في صدرها والطبولُ.
ذاك ما كان من حلمها،
بحرُ يا أيها الأبديُّ
وأنت بتأويل رؤيايَ تصدقني
أفتني في طواحين نارٍ
وريحٍ تريق على الشال خمراً،
لعلّيَ أرجعُ هانئةً لسرير الظلالِ
وخوفي يزولُ.
قام من سُكْرِه البحرُ
ينفض أمواجَ أدمعِهِ عن يديهِ
وقالَ:
أيا ربَّة النخلِ مَوتي أحبُّ إليَّ
فقد قضيَ الأمرُ،
إن الطغاة إذا دخلوا قرية أهلكوها
وها ريحُهمْ قرب ظلكِ تعوي،
سلامٌ عليك
وصبرٌ جميلُ.
تلك قصة بغدادَ
قال المغني:
ولما تزل في سرير الطغاةِ
تخبئ أدمعها في جرار الخليجِ
وأخوتها يحفِرون
ـ إذا مسّها حلمٌ أزرقٌ ـ ألفَ بئرٍ
ويبكون حين تغيبُ البتولُ.
أول العابراتِ إلى ضفة الحزنِ
هاربةً من هبوب الدماءْ.
أجمل الساحراتِ،
سلاماً على صبرها
كلما كفكفت حزنها
بُشِّرت بطغاةٍ يتمون ما فاتها
من مكارم أدمعها،
ولئلا يظلَّ لها هدبٌ
لا يجيدُ البكاءْ.
26/1/2003
***