شعر قصائد شعرية

صغيرٌ على البحر

صغير على البحر

شعر: عمر إدلبي

صغيرٌ على البحرِ
عُدْ سالماً مثلما جئتَ
مرتدياً معطف الزغب اللبنيِّ
وَعُدْ سالماً
تحت جنح عقيق الغروبِ،
لئلا يباغتَ ليلٌ غريبٌ خطاكَ،
ويسرقَ منك سرير المساءْ.
صغيرٌ على البحر يا ولدي،
بعد بدرين،
أو فلنقل بعد حلمينِ،
تصبحُ ريحاً،
طويلَ الخطا،
لا تَسيرُ وفوقكَ غصنٌ يمرُّ
لأنَّ الطّيورَ ستتعبُ
حتى تحطَّ على كتفيكَ
صغيرٌ على الملح يا ولدي،
ويعزُّ على جبّةِ الأزرق السرمديِّ
اختطافُك من باحة الأبجديّةِ
ما زلتَ أَيسرَ
من أيّ عصفورةٍ في الظلامِ
على الصَّيدِ
أهونَ من زهر لوزٍ
على غضبة البردِ
عُدْ سالماً
لا يليقُ بعينين لوزيّتينِ
سوى فتح نافذة لرؤاها
بصدر السمواتِ
كي تُسقِطَا نجماتِ المساءِ
بكأسِ يديكَ
فترقصُ من رنّةِ الضوءِ
حين تلامس قمحَ خدودكَ
عد سالماً
قبل ينتشرُ الشوكُ
تحت لحاءِ الطريق
ويخرجُ ماردُ ليل البكاءْ.
صغيرٌ على البحرِ
بضعٌ وعشرُ لآلئ
علّقتَ في عقدِ عمركَ
تحتاج بنتاً
لها مثل خفّةِ ساقيكَ
كي تسبقا زورقاً ورقياً
تسرّان فيه إلى النهرِ
بالحبّ
تحتاج وقتاً
لتحفظَ عشبَ الحديقةِ
عن ظهر قلبٍ

وتلعبَ مع قطة البيتِ
في كرةِ الصوفِ،
وقتاً
لترسم قوساً على صفحة العيدِ
أنت وأرجوحةٌ
تتشبث كلتا يديها بغصن صنوبرةٍ
ثم وقتاً
لتنسى سذاجة دمعكَ
حين يدبُّ النعاسُ على كفِّ جفنكَ
وقتاً
لتتركَ للقادمينَ
قليلاً من اللّعب الغاليات على ذكرياتكَ
عُدْ سالماً
قبل أن يركبَ الموج أفراسَهُ
غادر الآن رمل قلاعكَ
كيما تعودَ غداً
ويداك أشدّ اسمراراً
وأرحب من ملعب الكونِ
عُدْ حين تغدو البحارُ
بلا عملٍ
غير ترتيب ثوب السماءِ
على وجهِ مرآتها
حين تبدو الملوحة وادعةً
كعجوزٍ تصفف أيامها الباقياتِ
بصنّارة الصوفِ
عُدْ حين تحفظُ كلَّ الأسامي
وتنبتُ من شفتيك الفراشاتُ
بعد الغناءْ.
ستكبرُ قبلَ النجوم البعيداتِ
والمدنِ الساهراتِ بلا قمرٍ
والقلوب التي قُطفت
من ظهورِ الحجارةِ
فاغفُ على سيرة السنديانِ
ولو غيمةً
لتهبَّ الرياح الصبيّةُ
سمراءَ من غير سوءٍ
كشال الذهبْ.
ستكبر ما بين بدرينِ
أو فلنقل بين حلمينِ،
فاترك لذرّاتِ حبرٍ جليلٍ مكاناً
لتدرك كيف تفيق مآذن كفّيكَ
حين ينام التَّعبْ.
وما بين حلمينِ
خذ بيد الكلماتِ
وَدَعْهَا تدُقُّ كؤوس المعاني
ودعها تشمّسُ أحلامها
فوق حبلٍ يسيل كدمعِ الإلهِ
من العرش حتى السنابلِ
حبلٌ له الأرضُ خضراءُ
خضراءُ
حتى يكلَّ الربيع الصغيرُ
فيهديه جوريةً
يستعين بها حين يخجل خداهُ
خذ بيد الكلماتِ
ودعها تعيدُ عليك الحكايةَ:
إقرأْ…
فلا ترتعشْ
وتزمَّل بسرب شقائق نعمانَ
حتى تهزَّ جذوع الكلامْ.
وخذ بيدِ القبّرات بعيداً عن البحرِ
تهديكَ طبعَ الغمامْ.
ستكبر يا ولدي
قبل أن يعقد البحرُ
ألسنةَ الموجِ
لا تبتئسْ
فلديكَ من العمر متسعٌ
ولديك من الأرضِ متسعٌ
خلف هذي المقابرِ
في العمر متسعٌ للخيامِ
ومتسعٌ ليطير الحمامْ.
صغيرٌ على البحر يا ولدي
كم أودُّ لو انك حين تنامُ
تموتُ الملوحةُ في البحرِ
ثم تدور بنا الأرضُ
حلماً،
وزيتونةً،
ويماماً،
فتصحو على سفنٍ للسلامْ.

* (صيف عام 2002)

***

الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *