مبكرةٌ في الذهاب إلى النوم
إلى ابنتي ليلى
الصغيرة جداً على الموت ..
شعر: عمر إدلبي
مبكّرةٌ في الذهابِ إلى النّومِ
لم يبدأ الصّحوُ رحلتَهُ
في سواقي دماها الصغيرةِ،
لم يأتِ ليلٌ
ليعرفَ كيف تطيِّرُ ليلى سمايَ بساطاً
لأحلامها البيض ِ،
ثمَّ تدقُّ لها الكأسَ بالغيمِ والصلواتْ.
مبكّرةٌ يا ابنتي في الذهاب إلى النوم ِ،
لم يأتِ بعدُ صباحٌ جميلٌ
ـ ولو مرّةً ـ
ليحطَّ على غصن رمشيكِ،
لم تقرئي بعدُ دفءَ أمومةِ ربَّةِ شعرٍ،
مبكّرةٌ في الصعودِ على درجِ النجماتْ.
نسيتِ اسمَكِ العذبَ في شفتي يا ابنتي،
هل تُراكِ نسيتِ غدي دون قصدٍ
لتحرقَهُ دمعتي
حين أبحثُ بينَ قرنفلِ أثوابكِ البيضِ
عنكِ؟
تركتِ ندى منزلِ السَّمرِ اللؤلؤيِّ
بلا أيّ وردٍ،
ونِمتِ
فلم تغمريني ولو قطرةً بالبكاء الطفوليِّ
حتى تغيبي
وما قلتِ للشوقِ فيَّ انتظرني،
ويجدر بي أن أكونَ سطورَكِ
في دفتر الذّكرياتْ.
سأكبُرُ حزناً
وقلبُ السريرِ الذي كنتُهُ
لم يذق خفقةً من غزالات صدركِ،
نامي كما ينبغي للملائكةِ البيضِ
نامي ،
سنسهرُ جفنينِ منطفئينِ،
ونسهر شاهدتينِ
تدلاّنِ كلَّ شروقٍ عليكِ،
سنسهر في شرفةِ الدّمعِ
ما طاب للحزنِ من عمرنا في البكاءْ.
كأنَّ المدى بعدكِ ـ اليومَ ـ ليلكةٌ ،
وكأنَّ السماءَ بلا موعدٍ
تكتم الآن زرقتَها عن يدِ البحرِ،
يكبُرني البحرُ بالفضَّةِ الزبديّةِ،
أكبرُهُ نحو حزنين أو ظلمتينِ،
وأكبُرُهُ باشتعالِ الملوحةِ في الروح ِ،
يكسِرُني يا ابنتي ثلجُ هذي الأصابع ِ
جاء قبيل تفتِّحِ عينيكِ
أكبرَ مما بقلبي من الدفءِ،
نامي على دمعتي يا صغيرةُ ،
نامي كما ينبغي لسنونوةٍ
غافَلَتها البرودةُ قبل الشتاءْ.
لمن يا حبيبةُ
أكتبُ أغنيةَ الياسمينِ؟
لمن أمنحُ الساعدينِ الحزينينِ أرجوحةً
يا ابنتي؟
ولمن سأقولُ:
النجومُ ستتعبُ
إن بقيت كستناءاتُ عينيكِ
مشرعةً للغموض المسائيِّ؟
من أمنحُ السنديانَ الذي كنتُهُ
أكثرَ العمرِ
كيما أرتِّبَ موتاً لنفسي
يريحُ وقوفي القديمْ؟
لمن سأهزُّ جذوعَ الحكايا
فيسقطُ منديلُ نومٍ رهيفُ الغناءِ
يطلُّ بضوءِ ابتسامته من ثيابِ الغيومِ
على قرصِ نورٍ؟
سأكبُرُ حزناً،
ولن أستطيعَ وعودي
لصبرِ الطّريق بمشوارنا
ورنينِ خلاخيلِ خطوتكِ السوسنيّةِ،
لا أستطيع سوى فكرةِ النّومِ عنكِ طويلاً،
وأكثرَ مما تيّسرُ دورةُ موتٍ
من الوقتِ لي،
فلعلَّ عصافيرَ وجهكِ
في ثالثِ السَّكراتِ
على خشباتِ صليبي تقومْ.
بريقُكِ كان شهيَّ الهدى ،
لم يعذّب يدَ الموتِ بالبحث عنكِ،
اهتدى بالعبيرِ الخفيف إلى زنبق ٍ
كان يفترش الوقتَ
منتظراً ساعةَ العطرِ
والرقصَ بين خدود السماواتِ
يا سيدي الموتَ !
إن الطّغاةَ هنا وهناكَ
وهذي الصغيرةُ جداً على الموتِ
فاتحةُ الحبِّ،
فاقرأ عليها السلامَ
ودَعْهَا لأغنيةٍ قد تغنَّى ،
ودَعْهَا تجرّبُ مصباحَها
في اكتشافِ السَّديمْ .
ومرَّ
كما لو تمنّيتُ أن لا يراني،
اهتدى دون شمسٍ
إلى زغبِ الطّفلِ فيكِ،
ودون حفيفٍ برمش انتظاراتنا
مرّ كالنَّيزكِ المتسلّلِ في غمرةِ الحلم ِ،
مرَّ قريباً من الحلم ِ ،
أقربَ مما تظنُّ صلاةُ يدينا
إذا ارتفعت لإلهٍ قريبٍ … قريبٍ
قريبٍ مسافةَ موتٍ حميمْ.
تمنّيتُ لو مرَّ بي حاسرَ الصوتِ ،
أو مرَّ مرتدياً طبعَ ريح ٍ
لأَفرُدَ نبضات عمريَ سرواً
يميل على حلمٍ
كنتُ علّقتُه في ثريّات روحي،
فماذا سينقصه لو تأخَّرَ مقدار عمري
ونام طويلاً ؟
ونامَ إلى أن تفيقي على راحتيَّ
مجرَّةَ سحرٍ ؟
إلى أن تدلّي يديَّ على السهر الأبويّ
إذا خطرت خصلاتُكِ
فوق وسادة زندي
كشالِ النسيمْ ؟
وما كان ينقصُ هيبتَهُ الملكيَّةَ
لو بلَّلتْ شفةَ الأرضِ ليلكةٌ
من ظلالكِ
أو نخلةٌ من خطاكِ؟
وداعاً إذاً،
لا تخافي علينا،
سنبكي إلى أن تبيتَ الغيومُ
على كفِّ قمصاننا
فتصيرُ السمواتُ طيبةً
وتشفُّ كآنيةِ الروح ِ
حتى نراكِ على خدها قمراً،
يلزم الغيبَ حزنٌ جليلٌ
ليغدو أرقَّ من الريح ِ،
يلزمه أن تكوني قرنفلَهُ
ليموت حزيناً
كما عمريَ الآنَ،
يلزمه ما بصدري
ليذهب تحت الظلامِ
إلى دمعهِ خَجِلاً،
لا تخافي علينا،
سنبكي لنغسلَ بلّورَ هذي السماءِ
فيعبرُ نورُ رؤانا بلا تعبٍ
ويدثّر في سدرةِ الغيب بردَكِ،
نامي كما ينبغي لندى الصبح ِ،
نامي،
سنبكي إلى آخر الدمع ِ،
نبكي
لأنَّ السماءَ الحبيبةَ ضاقتْ
فما تَرَكَت لكؤوسِ انتظاراتنا
من نـديـمْ.
* * *
تموز 2002