فيروز الليل
شعر: عمر إدلبي
هَبْ أن ليلاً
ضلَّ عن نجماتهِ
ومضى بلا قمرٍ إليكْ .
هب أن عينيك استباحهما سوادٌ
فافتقدت لراحتيكْ .
هل غير مصباحٍ بروحكَ
يبعث الأشياءَ من موتٍ
يغيّبُ ما لديكْ ؟
في الليلِ ،
والطرقاتُ باردةٌ وذاهلةٌ
تفتّش عن خطى في صدرها ،
كم أشبه الطرقاتِ
حين أرى أصابعي الكثيرةَ
ليس تكفيني لعد مخاوفي ،
كم أشبه الناياتِ
حين الحزن ينسلُ
من مسام قصائدي
والقلب ينزف لؤلؤَ الذكرى
على درج الحنينْ .
كم أنت بحرٌ يا دمي
والموجُ في نبضاتك السكرى
يفتّش عن سفينْ !
كم أنت ثلجٌ يا دمي
إذ أنت وحدكْ !!
في الليلِ ،
والساعاتُ مطبقةٌ عليكَ
ببرد مشيتها
ستسأل عقربَ الوقتِ
الخروجَ عن المدارِ
ليلدغَ الخيطَ المضيءَ
وينسجَ الإشراقَ حولكْ .
وتقلّب الأفكارَ
إذ لا بدَّ من فلٍّ
يرصّع قُبَّةَ الألوانِ ،
يُدني النهرَ من كفيكَ
يرسل بوحَهُ
بمدى بنفسجةٍ وليلَكْ .
ستراود الشُّبّاكَ عن أقفالهِ
لتبوح عندئذٍ بوجهك للندى ،
وسترقب الصمتَ الممدّدَ
فوق صدر الشارع الغافي ،
هناك يخبئ المصباحُ آخر نبضةٍ
من ومضهِ
بحقيبة الأسلاكِ ،
ثم ينام كالحراسِ
محتفظاً بأسرار المساءِ ،
ينام بعد تفتح الجوريِّ
فوق وسائد العشاقِ ،
بعد هدوء صوت الحبِّ
في شفة السرير ،
وأنت وحدكْ .
الآن يرتبك انتباهُكَ لحظةً
لتهبَّ ممتنّاً لأوّلِ عابرٍ
يلقي ابتسامتَهُ على بُنِّ الصباحِ
ويدّعي زوغانَ وجهتهِ
ليملأَ صدرَهُ
من مسك فيروزَ الصباحيِّ
الذي اختلقَ السماء ذريعةً
ليكون توأمُه الجميلُ
ندى ملائكةٍ
وموسيقى تقصُّ حكايةَ العصفورِ
للأشجارِ
إن أَخَّرتَ شِعركْ .
وتظلُّ بحراً يا دمي ،
فيروزُ شاطئُهُ ،
وموجُ الشِّعرِ كم يحتاجُ ليلَكْ .
* * *
شتاء العام 2000