كأني لم أكن نجواه
شعر: عمر إدلبي
تركوا يديَّ على غصون الذكرياتِ ،
وغابوا .
تستوقفان من الزمانِ
صدى أغانيهمْ ،
وغابوا .
عيني معلقةٌ على أفق ٍ
تكحّلَ حين مسَّ رموشهم ،
بالأمس كان صديقَ حزني ،
كان يعرج بي إلى أحلى سماواتٍ
وينزلني على ريش السحابِ مدللاً ،
حتى أذوبَ برقّةِ
الهطل السماويّ الخفيفِ ،
وكان أُنسي
في جنونِ السير في الطرقاتِ
حتى آخر النجماتِ ،
أُنسي
حين أركض باتجاه الصبحِ
أسعى للضياء الطفلِ
ينمو بابتسامتهم ،
فأَكبُرُ ألفَ نرجسةٍ
تعيد إلى قناديلي العطورَ
إذا يتوّهني الضبابُ .
لا الأفقُ هذا الوقتَ يصدقني نبوءَتَهُ ،
ولا يُدني لعينيَّ المخبأَ
خلف ظلمتهِ ،
كأنّيَ لم أكن نجواهُ
حين أتى حزيناً
دامعاً ،
وكأنّني لم أخلع الأثوابَ عنّي
كي أقاسمَهُ البرودةَ
وارتجافَ رياحهِ ،
عمري حزينٌ
من تأخّرهِ عليَّ ،
فهل ترى
نسيَتْ يداهُ نوافذَ الأنوارِ
مقفلةً على ميعادهم ؟
أم أنّه نسي انتظاري
خلف أبواب الدموعِ
فلم يبحْ لرجاء عينيَّ المعلقتينِ
في محرابهِ
بظلال عودتهمْ ،
ولم يفردْ جناحاً طيباً
فوق انكساري
حين غابوا ؟
يا أفقُ !!!
ماذا لو حبستَ لعطرهم
في بال صدركَ غيمةً
وتركتها تهمي على ظمئي
برشفة ياسمينْ ؟
ماذا لو انك
حين ينفجر الغروبُ براحتيكَ
تظلُّ دهراً ساكناً
لأقولَ زارتني شفاهُ الراحلينْ ؟
يا أفقُ ذكِّرني بدفء عناقهم ،
واهبطْ قليلاً من أعاليكَ ،
اقتربْ من برد روحي
حاملاً ما لذَّ من شمسٍ
أراقصها على إيقاعِ ضحكتهم ،
ستضحك في مداك الريحُ ،
أسرابُ الخيوطِ البيضِ
سوف تقيم عرساً
لانهمارِ الفُلِّ من بستانِ ذكرانا
وتثملُ من خمور الرقصِ ،
لن تحتاج يا أفقُ الكؤوسَ ،
ستهبط الغيماتُ قرب شفاهِ
زرقتكَ الشفيفةِ ،
ثم تشعل في انتباهكَ
سكرةَ الدمعاتِ ،
فاحزنْ مرةً ،
ليكون قلبُكَ باتّساع صدى انتظاراتي ،
وجرِّبْ مرةً لفحَ الحنينْ .
يا أفقُ بلّلني بذكراهم
وسرِّبْ نحو منخفضِ اشتياقي
ماءَ همستهمْ ،
ستكفي قطرةٌ من بوحهم
لأضيئَ مثل الماسِ
فيما القلبُ يسرق نبضةً
من خلف ظهر ذبولِ أيّامي ،
وتكفي قطرةٌ لأعِدَّ حلماً باسقاً ،
وأَرُدَّ عن ورداته بردَ الأنينْ .
يا أفق بللني !!
ستكفي قطرةٌ من بوح ذكراهم
لأغمرَها برمشي ،
ثم أغمرها برمشي ،
بينما يحنو على جسدي الترابُ
وتستكينُ يدُ السنينْ .
* * *
شتاء العام 2001