خريفي بدونك بردٌ
إلى الشاعر الغائب ياسين سيفو
شعر: عمر إدلبي
الخريفُ بدونكَ ثلجٌ ،
وأذكُرُ أنّي نسيتُ شموسيَ في راحتيكْ .
والسماءُ هنا تنفضُ الرّيحَ عن ثوبها،
وأراها أقلَّ أماناً
فكيف سأرسلُ طيرَ حنيني إليكْ ؟
مثلما شرفتي لا تعلِّقُ في صدرها سهرةً،
غافلٌ بابُ وقتي، ويسرقُهُ ضجرُ الرّوحِ ،
حتّى البلادُ أقلّ بهاءً
وقد أسقَطَتْ نجمَها من أعالي يديكْ.
غاربٌ – يا صديقي – الصباحُ
الذي تركَتهُ شموعُك ما بيننا ،
وسهرتُ مديداً من الشوقِ
لم يصل النورُ مشتعلاً من سنا وجنتيكْ.
كم سهرتُ
لعلّيَ آتي بطيفٍ من الحلمِ يحملُ وردَكَ !!
ثم غفوتُ على وجعي
ورأيتُ المدى ،
حزنُهُ ساطعٌ، ويلملمُ لؤلؤَ أدمعهِ
بيدينِ مخضَّبتينِ بأنَّـاتهِ،
فتركتُ له قصبَ الذّكرياتِ
ومِلْتُ على نايِهِ وحنيني .
كيف أُطلقُ بعدَ غيابكَ نهرَ القصيدةِ ؟
صارَ سريرُ الكلامِ غريباً
على قطراتِ الحروفِ ،
وصرتُ غريباً على لغتي ،
ما القصيدةُ بعدكَ
إلا رفوفٌ من الدّمعِ
تخفقُ في أفقِ الرّوحِ ،
تبحثُ عنكَ سنونوةُ الشّوقِ
بين الغيومِ البعيدةِ ،
بين قصاصاتِ ذاكرةِ السّهرات الحبيبةِ ،
بين سطورِ انتظاري ،
ونَزْفِ أنيني .
هل تُراكَ تذكِّرُ شِعرَكَ بي
وتعلِّمُ أنسامَهُ
كيفَ يُوصِلُ ساعي البريدِ
كتابَ الحنينِ بكاملِ أشجانهِ ؟
أسألُ الصّبرَ فيكَ
متى ينحني نادماً
ويعيدُ خطاكَ إلى حضنِ حارتنا ؟
فالصغارُ هنا طيَّروا عشقَهم ،
وسواعدُهم أصبحت سنديانْ .
والصّبايا حَفِظْنَ حكاياتِ جدّاتِهنَّ ،
وصِرْنَ كرومَ جمالٍ تلوِّحُ ،
أشجارُ شارعِنا طالَتِ الغيمَ ،
واستعذبتْ قَطرَهُ
فأقامَ على عرشِ أغصانها تاجَهُ ،
ليس إلاّكَ حتى يطيبَ الزّمانْ .
الفصولُ تدورُ ،
وطاحونةُ الوقتِ
فوق سنابل صبري تدورُ .
أنتَ أغلى بِقُربي ،
ونصبحُ لبْلابَتَيْنِ على زندِ أعلى السماواتِ ،
نمزجُ أزرقَهَا
ببياضِ رؤانا النديَّةِ ،
نتركُ للغيمِ أن يتعلَّقَ
في جنحِ أحلامنا الخضرِ ،
هذي البلادُ لأفراحنا ،
لعصافير ضحكاتنا ،
لاكتمالِ مشاويرِ أيّـامنا ،
وعلى سورِهَا نَسـنُدُ الرّوحَ من تعبٍ ،
وعليها نثورُ .
أنت أغلى بقربي ،
ويغدو النهارُ – كما القلبِ – أبيضَ
من غيرِ سوءٍ ،
معاً ندركُ الشمسَ
قبل الصعودِ إلى برجها الذَّهبيِّ ،
وندركُ معنى السماءِ
وزُرقَتِها ،
والنجومِ وسهرتها ،
والفصولِ ودورَتِها ،
نزفَ العمرُ أكثرَ ممّا تبقّى بِجَرَّتهِ ،
فتعالَ ،
أُدثِّرْ بروحيَ بردَ أصابعِكَ الوردِ ،
هذا الخريفُ بدونكَ بردٌ ،
وقلبي على البردِ طفلٌ صغيرُ .
* * *
خريف العام 2003