الغيـــــاب
شعر: عمر إدلبي
أَجَلْ …
فالزمانُ بظلِّ هُداك انتهى.
أجلْ …
إنَّ آخرَ صمتٍ على الشفتينِ
سيعني غياباً،
وإنَّك سوف تغادر قبلي
على رحلة المنتهى.
أُصَدِّقُ يا أبتي
أنَّ هذا الغموض الأخيرَ
سيتركني ذاهلاً
أتريَّثُ قبل الكلامِ
وقبل الخصامِ
وبعد الخروج المؤقَّت للأصدقاءِ
من البيتِ،
هل سيعودونَ؟
أم أنَّ هذا الوداع الأخيرَ
سيُفْرِغُ آخرَ نصفٍ بكأس رهاني
على موعدٍ مشتهى؟
**
يَدُلُّ عليكَ حفيفٌ نديٌّ
إذا مرَّ دمعٌ
بأغصانِ رمشي
وأوشكُ أسمعُ بحراً
بنبضـي.
كما لو غيومٌ
تفيضُ على حاجة الريح ِ
أبقى…….
وتَمضي.
كما جبلٍ
تفسحُ الأرضُ متّسعاً
في سريرتها لرواسيه
تمضي.
وأبقى..
كأنّي الحجارةُ
ترجمُ بي شبحَ الوقتِ أرضي.
وتمضي…….
فما حكمةُ الغيبِ
في آيةِ الموتِ
إن تُلِيَتْ طوَّحتني الشُكوكُ
وأَشْرَكَ بعضي؟
**
يذكّرني بيقينكَ شكّي،
فأبكي عليكَ
وأبكي عليّ.
تَيَقّنتَ
حتّى كأنَّكَ صدَّقتَ ريحاً بصوتي
وشُبِّهَ لي
أنَّ ظلَّك يَفْتِنُ ظلّي
لأُشبِهَهُ
فَنَفَرتُ
وحاولتُ ما يستطيعُ الشقيّ.
كلانا عصى للبصيرةِ أمراً
فلا أنت سوَّيتَني سندياناً
ولا أنا لِنْتُ
كعشبٍ طَريّ.
عَبَرتَ
وزُلزِلَتِ الأرضُ زلزالَها
فانتبهتُ
كأنْ غيمةٌ ولدت ومضَ برق ٍ
خَبَوتُ
وأنتَ بمائك حَيّ.
**
سدىً .. في سدى.
إذا لم تكن هذه الأرضُ ظمآنةً
وتريدُ صفيَّ الندى.
إذا كان وعدُ الترابِ
كوعدِ السرابِ
سدىً في سدى.
أليسَ هو الموتُ
وقت انشقاق ِ الحقيقةِ
عن وجع الشوق للعابرينَ
فنشتاقُ…. نشتاقُ…
حتى كأنَّ الحنينَ صدى؟؟
أليسَ كمثل سقوط الحمامةِ
عن فرسٍ في السماءِ
إذا صعدت جبلَ الغيمِ
تطلق ريحٌ عليها الردى؟؟
سدى… في سدى.
هو الموتُ
آخرُ سهمٍ بقوسِ الغموضِ
إذا طالتِ الروحُ بعضَ الوضوحِ
بِنَصِّ المدى.
**
أُصدِّقُ يا والدي
ـ ما استطعتُ ـ غيابَكْ.
أَجلْ…
وأصدقُ أنَّ حصانكَ خانكَ
قبل بلوغ ِ الغزالِ
برأسِ الجبالِ
وأَسقطَ عن كتفيكَ سحابَكْ.
أصدِّقُ..
لكنّني كلما جزتُ يوماً
بدونكَ
يَكسِرني أنَّ قلبيَ يسبقني
ليَشُمَّ ترابَكْ.
أصدِّقُ يا والدي
غير أنَّ غيابَك طالَ
ولم يَبقَ لي فرصةٌ
لتوقُّعِ طَرقٍ خفيفٍ على البابِ
يجذبني لعناقكَ،
بالَغْتَ يا أبتي في الغيابِ
ويُقلقني أنَّ هذي الحياةَ
ستفتِنُ ذاكرتي آخرَ الأمرِ
حتّى تصيرَ أحاديثُنا الماضياتُ
كما شهبٍ تعبر البالَ رمشةَ جفنٍ
وتطوي كتابَكْ.
***
21 – نيسان – 2008