مقالات

ذكرى الجلاء تعني لنا اليوم إسقاط الطغاة الذين جلبوا الغزاة

قبل 9 سنين، وفي مثل هذا اليوم؛ كان ثوار سوريا قد أطلقوا تسمية (أحد الجلاء) على فعاليات الثورة السورية في يوم الأحد 17 نيسان/ ابريل 2011، تقديراً لذكرى جلاء قوات المحتل الفرنسي عن سوريا، وللتذكير أن الثورة فعل هادف إلى الاستقلال الثاني؛ وهذه المرة هو استقلال من محتل داخلي.

لبى أحرار سوريا النداء وتظاهروا في أكثر من 30 نقطة تظاهر على امتداد التراب السوري، وارتقى يومذاك 14 شهيدا؛ 12 منهم في حمص، وشهيدان في اللاذقية.

المظاهرات خرجت في عدد من أحياء دمشق ومناطق عديدة في محافظة ريف دمشق مثل دوما والكسوة وداريا والمعضمية، كما شهدت عدة مناطق في مهد الثورة درعا مظاهرات حاشدة، وتظاهر المئات في اللاذقية وبانياس وجبلة وطرطوس؛ وكذلك في مناطق إدلب؛ كفرنبل وجسر الشغور، وفي حلب تظاهر المئات، وفي عين العرب (كوباني)؛ وحماة والسلمية؛ والسويداء التي شهدت في ذلك اليوم أول تحرك داعم للثورة منذ انطلاقها في آذار 2011.

أما في حمص، فقد بدأت همجية قوات الأسد في مجزرة مروعة ظهر ذلك اليوم، راح ضحيتها 4 شهداء في مدينة تلبيسة، خلال تشييع جثمان الشهيد عمر عويجان الذي كان قد ارتقى أمام باب بيته بطلق ناري من قبل قوات أمن الأسد التي كانت تطلق الرصاص عشوائيا لإرهاب المدنيين الآمنين في بيوتهم في تلبيسة في الليلة الماضية.

وبعد وقت قصير اقتحمت عصابات فرع المخابرات الجوية في حمص مدعومة بعناصر من فرع الأمن العسكري وفرع شرطة النجدة، حي باب السباع في حوالي الرابعة عصراً، وأمام عيني استشهد عدد من الشبان العزل السلميين، كانوا معتصمين في الشارع الرئيسي في حي باب السباع، وأصبت يومها بطلق ناري في الصدغ الأيمن؛ ما يزال أثره يذكرني حتى اليوم بكل تفاصيل ذلك اليوم الدامي الحزين.

صوت إطلاق النار الهمجي على المدنيين العزل تردد في كل أنحاء حمص، وهب أحرار أحيائها في حشود كبيرة لمساندة أهالي حي باب السباع، كما وصلت مساء حشود المتضامنين من قرى الريف الحمصي.

وكما لا تغيب عن البال آخر نظرات أقرب شهداء ذلك اليوم إلى قلبي، وكلهم حبات القلب، الشهيد الشاب خالد أبو السعود الذي كان شعلة ذكاء وكرامة وشجاعة، وساهم منذ انطلاق الثورة في إذكاء روح الثورة في نفوس أبناء جيله، في حي باب السباع وعلى منصات التواصل الاجتماعي، لا أنسى أيضاً أن شبيحة الأحياء المسماة (الموالية) وخاصة حي السبيل وحي الزهراء؛ كانوا يمارسون هواية القنص ضد المدنيين العابرين في شارع الستين من أحياء البياضة والخالدية وديربعلبة في طريقهم إلى حي باب السباع.

وما تزال في البال مشاهد ذلك الاعتصام.. وروح الأحرار التي جعلت منه محطة لا تنسى في مسيرة الثورة، خاصة في اليوم التالي حيث تحول تشييع شهداء يوم أحد الجلاء إلى اعتصام في ساحة الساعة في حمص ظهر يوم الاثنين 18 نيسان/ابريل 2011، وهو الاعتصام الذي غيّر وجه الثورة بعد المجزرة التي ارتكبها مجرمو عصابة الأسد يومذاك.

اليوم وبعد مضي 74 سنة على جلاء آخر جنود الاحتلال الفرنسي عن تراب بلادنا، لا يجد السوريون على امتداد البلاد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً إلا جنود الاحتلال، استجلبهم نظام الاستبداد، ليتحولوا إلى غزاة جدد، معظمهم لدعم نظام العصابة وتثبيت أركان حكم الأسد، وآخرون باحثون عن مصالحهم، ساعين لتثبيت نفوذ بلدانهم في هذه المنطقة التي لم تذق مرارة أقسى من حكم الطغاة، والمحتلين الداخليين.

إن ما عاشه السوريون خلال سنوات الثورة يؤكد لهم، ويزيدهم قناعة أنه لا معنى للاستقلال والجلاء، وان أي فرصة للنهضة والتقدم لن تكون متاحة، ما لم تتمكن ثورتهم من إسقاط الطغاة الذين جلبوا الغزاة، مهما غلت التضحيات.

سلام على أحرار الاستقلال وأبطال الجلاء الأول في 17 نيسان 1946…
سلام واحترام لأبطال ثورة الاستقلال الثاني في آذار 2011.. التي ما زلنا ننتظر نصرها ومؤمنين به مهما طال الانتظار وغلت التضحيات.

الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *