مثلما راوح النقد التقليدي زمناً في التمييز بين محكيات الشخصية ومحكيات الحدث، راوح زمناً وهو يميز في السرد بين شخصية واقعية وشخصية متخيَّلة، فقد كان النقد التقليدي يخلط كثيراً بين الشخصية الحكائية والشخصية في الواقع العياني بسبب اعتماده صفات الشخصيات معياراً للتفريق، في حين ركز النقد الشكلاني والبنيوي الجهود ـ بداية ـ على دراسة الشخصية من خلال وجهة نظر ترى فيها عنصراً سردياً مستقراً لا يلعب دوراً في حركية السرد في مقابل الدور الكاشف والمتقدم الذي تؤديه العقدة، وخلال مرحلة سيادة اللا واقعية وما رافقها من بروز شخصيات سردية غرائبية لا تمت للبشر بصلة، راح النقد البنيوي ينظر إلى الشخصية على أنها مجرد اسم علم، أو فتات لفظي لا غير، يتساوى في قيمته مع العناصر اللفظية المتعددة الأخرى التي يتضمنها السرد.
وجهات النظر هذه سرعان ماتم تجاوزها لصالح الإقرار بارتباط عناصر السرد بعضها ببعض ارتباطاً جوهرياً على هيئة نسيج لا يتصور فيه بروز كتل متنافرة متفاوتة في أهميتها، إذ «لا يمكن فصل الوظائف والشخصيات عن بعضها، لأنها في علاقة متبادلة دوماً، بحيث يتحكم أحدها في الآخر»(1).
ففي السرد يتكون الفعل والشخصية تدريجياً ضمن فضاء الزمن، ويؤكد توماشيفسكي أن: «الشخصية خيطٌ هادٍ يمكّن من فك مزيج المكررات ويسمح بتصنيفها وترتيبها»(2).
وبحسب بارت فإن الشخصية ليست كائناً جاهزاً، كما أنها ليست ذاتاً نفسية، «بل هي ـ حسب التحليل البنيوي ـ بمثابة (دليل) Sign له وجهان: أحدهما (دال) Signifiant والآخر (مدلول) Signifie فتكون (الشخصية) بمثابة (دال) عندما تتخذ أسماء عدة أو صفاتاً تلخّص هويتها، أما (الشخصية) (كمدلول) فهي مجموع ما يُقال عنها بوساطة جمل متفرقة في النصّ أو بوساطة تصريحاتها وأقوالها وسلوكها، وهكذا فإن صورتها لا تكتمل إلا عندما يكون النص الحكائي قد بلغ نهايته ولم يعد هناك شيء يُقال، ولهذا السبب لجأ بعض الباحثين إلى طريقة خاصة في تحديد هوية الشخصية الحكائية تعتمد محور القارئ، لأنه هو الذي يكوّن ـ بالتدريج وعبر القراءة ـ صورة عنها، وذلك بوساطة مصادر إخبارية ثلاثة، هي:
1 ـ ما يُخبر به الراوي.
2 ـ ما تُخبر به الشخصيات ذاتها.
3 ـ ما يستنتجه القارئ من أخبار عن طريق سلوك الشخصيات
ويترتب عن هذا التصوّر أن تكون الشخصية الحكائية الواحدة متعددة الوجوه، وذلك بحسب تعدّد القراء، واختلاف تحليلاتهم»(3).
وفي كل نص سردي عدد من الشخصيات التي لا يقوم النص إلا بها، وهو ـ والأمر عينه ـ الذي يحدث في نص السيرة الذاتية، حيث لا يقتصر حضور الشخصيات فيه على الشخصية الرئيسة /السارد/ المؤلف، لأن الحياة التي يسرد الكاتب تجربته الذاتية فيها تعني جمعاً لا نهائياً من الشخصيات، هذا إضافة إلى خاصية الواقعية التي تتسم بها أغلب الشخوص في هذا النمط من الكتابات السردية، الأمر الذي يفرض على الكاتب التعامل مع عملية التشخيص بحذر بالغ، يجعله مجبراً على إيلاء هذه العملية الأهمية كلها.
والشخصيات في السيرة الذاتية قد تكون هامة أو أقل أهمية وفقاً للدور الذي يناط بها في النص من جهة، وتبعاً لأهميتها بالنسبة للمؤلف من جهة ثانية، كما قد تكون فعالة متغيرة، أو تكون مستقرة فلا نشعر بتطور أو بتناقض في صفاتها وأفعالها، وقد تكون سطحية وبسيطة، ذات بعد واحد وصفات غير مميزة، ولا يشكل سلوكها أي مفاجأة للمتلقي، أما الشخصيات العميقة المعقدة، فتتميز بامتلاكِها أبعاداً متعددة، وتتميز بالقدرة على الإتيان بسلوك مفاجئ.
وتبعاً لهذا تظهر الشخصية وظيفياً في السرد بمظهرين اثنين:
1 ـ الشخصية الثابتة، البسيطة: هي شخصية تحتفظ بسماتها ودورها البسيط في الحدود المرسومة والمتاحة لها في سياق السرد وفضائه المتغير والمتحول، ودون أن يتهيأ، أو تقبل على التكيف، مهما اتسم الفعل المرافق بالحيوية، ومثل هذا النوع من الشخصيات نجده حاضراً بقوة في السير الذاتية، باعتبار هذا النوع من الكتابة يركز على الشخصية الرئيسية /المؤلف/ السارد، وقلما يعير باقي الشخصيات أهمية خاصة إلا فيما ندر.
2 ـ الشخصية الدينامية، المركبة، وهي شخصية تلعب دوراً محورياً وحاسماً في مسيرة السرد، بحيث يبدو حضورها الدائم لازماً، وتحفيزها ضرورةً تساهم في صناعة العقدة، وتعميق تأثيرها ونسيجها، كما وتتيح نتيجة عمق تركيبها إمكانية قراءتها على أكثر من مستوى دلالي، بحيث يمكن إخضاع مركباتها لسلسلة من التأويلات.
هذا النموذج من الشخصية الدينامية المركبة، يتضمن الشخصيات المتغيرة تدريجياً أو فجائياً بتأثير حدث ما، إضافة إلى الشخصيات الدينامية أصلاً وعلى طول امتداد السرد، وهذا بالطبع لا يمنع الإقرارَ بأن لا وجود بهذا الإطلاق للشخصية المتغيرة باستمرار، لكنها تتمثل على الأقل وعلى الأرجح في شخصية البطل/ الشخصية الرئيسية في السيرة الذاتية، وفقدانها في هذا النوع من النصوص يجعل النص بحد ذاته غير ذي قيمة، فلا معنى لسرد سيرة حياةِ شخصيةٍ عادية لا تتسم بصفات التطور والتغير، وتعتبر شخصيات محمد شكري في الجزء الثالث من سيرته الذاتية (وجوه)(4) استثناءً على هذا الصعيد، فأغلب الشخصيات في هذا النص شخصيات دينامية مركبة، نلحظ بوضوح تام تنامي دورها السردي والدرامي بشكل مضطرد في النص من بدايته إلى نهايته.
إذاً، تتحدد الشخصية من خلال سماتها وأفعالها، وطبيعة العلاقات التي تربطها بغيرها من الشخصيات في المحكيات، ونظراً لقيمة الفكرة القائلة بأهمية التصور الذي يكونه المتلقي عن الشخصية، وقيمة هذا التصور في تحديد هوية الشخصية، فإننا نجد أن ثمة مبررات كافية للاعتقاد ـ بل والتأكيد ـ أن الشخصية في السيرة الذاتية لا يمكن اعتبارها أحادية الوجه ـ الشخصية الرئيسة على الأقل ـ وبالتالي فهي كمدلول غنية بالدلالات بقدر غنى تصورات المتلقين عنها، ونؤكد هنا أن الشخصية وفق هذا المنظور لم تعد أفكاراً مجردةً تهتم بلعب أدوار، فالشخصيات صانعة المعنى الكلي للنص، وذلك بما يتهيأ لها من وظائف في سياق النص السردي بكليته، ومن هنا كان اهتمام النقد الحديث بهذه الوظائف، والابتعاد إلى حد كبير عن تحليل الشخصية من خلال صفاتها ومظهرها الخارجي.
التشخيص:
لما كنا نبني دراستنا على منهج يولي أهميةً خاصة لفعل الإبداع، بوصفه تدخلاً تخيلياً في بنية التصور الواقعي، فإننا نرى من الضرورة بمكان تقديم تعريف بسيط بفعل التشخيص، الذي هو مجموعة التقنيات التي يتبعها المبدع لبناء خصائص وتقديم الشخصية، ويتبع في التشخيص أساليب عدة، منها المباشر، حيث يتم التعريف بصفات الشخصية بموثوقية، بواسطة السارد أو بواسطة الشخصية نفسها أو شخصية أخرى، كما يمكن إتباع الأسلوب غير المباشر، وفيه تترك مهمة التعريف بصفات الشخصية للقارئ، وذلك من استنتاجاته لها بواسطة أفعال الشخصية وتفاعلاتها وأفكارها وعواطفها… الخ، كما يمكن اللجوء لأسلوب تدريجي تصويري، وذلك عندما يرغب المؤلف في تقديم صفات الشخصية بشكل يرافق ما يطرأ عليها من تغيرات تدريجية، أو ما يجعلها تتحول إلى نمط محدد، أو يحولها إلى شخصية متفردة ذات سمات متميزة.
ولهذا من المفيد التذكير بالأساليب السردية في تشكيل الشخصية، وهي ثلاثة أساليب:
1 ـ الأسلوب التقريري المباشر: حيث يتبع المؤلف في هذا الأسلوب طريقة تقديم الشخصية بواسطة وصف ظروفها ومواقفها الفكرية والعاطفية، مما يساعد على تكوين فكرة واضحة عن سماتها وقابليتها للانفعال أو الفعل.
2 ـ الأسلوب التصويري: ووفق هذا الأسلوب يعمد المؤلف إلى رسم الشخصية عن طريق تركيز الضوء على مسار تحركها ورصد أفعالها وردود أفعالها على المواقف والأحداث، وتتبع نموها وتطورها ونتائج صراعاتها مع ذواتها، وبذلك تكون الأولوية في هذا الأسلوب للحكي عن الشخصية من خارجها، أي من خلال تفاعلها مع العالم الخارجي.
3 ـ الأسلوب الاستبطاني: وهو عكس الأسلوب السابق، حيث يعمد المؤلف فيه الدخول إلى الأعماق النفسية للشخصية وتحليل عقدها ومركبات نقصها أو قوتها، وغالباً ما يتم ذلك عن طريق التداعيات، والمونولوج الداخلي، أو المناجاة.
وقلما يلجأ كاتب إلى أسلوب واحد في تشكيل شخصيات نصه السردي، وقراءة متفحصة لأي نص سردي تؤكد رأينا هذا، وليكن شاهدنا على ذلك نص سيرة ذاتية لمحمد شكري لم ينل حظه من الدراسة بالقدر الذي ناله نصه السير الذاتي الأول (الخبز الحافي)، حيث يتمتع نص (وجوه) بميزة تجعله واحداً من أكثر النصوص السير الذاتية أهمية على صعيد التعامل مع تشكيل الشخصية السردية، فالشخصيات البسيطة والهامشية في هذا النص ـ شخصيات خارج أنا المؤلف ـ تشكل أهمية فنية خاصة، باعتبار أن السرد يعول عليها كثيراً في تشكيل بنية الخطاب الواقعي الذي ينبني عليه النص.
هذه الشخصيات التي تشكل حلقة متداخلة ومتشابكة يصعب معها التمييز بين شخصية رئيسة وأخرى ثانوية، فالشخصيات التي يتمحور السرد حولها (فاطي، علال، عبد الهادي، فريد، أحمد، ريكاردو….الخ)، ليسوا إلا أفراداً في عالم سردي واقعيّ يشكل أفراده كلُّهم دون استثناء فواعل في حركيّته، مادامت هذه الشخصيات تشكل دوالاً على بنية هذا المجتمع الهامشي وتركيبته المعقدة.
ولذلك لجأ شكري إلى طريقة مزج الأساليب في تشكيل شخصياته بين التقريري المباشر والتصويري والاستبطاني، مما ساعد النص على التماسك وتأكيد البعد الواقعي، وأبعد هذه الشخصيات عن العجائبية والبطولات الخارقة التي لم تعد موجودة واقعياً، وبالتالي ساهم هذا التنويع في أساليب تشكيل الشخصيات في الحيلولة دون هيمنة إيديولوجية شخصية على حساب ضمور أخرى، وهذه واحدة من سمات التعدد التي يتسم بها المجتمع، أي مجتمع.
يصور شكري شخصيات العالم السفلي الإنسانية المهمشة التي تعيش حياة الفقر والجهل، ويستخدم لذلك الأسلوب التقريري المباشر الذي يساعده على تقديم واقع هذه الشخصيات ببساطة ودون تعقيد، ولكنها شخصيات من لحم ودم، شخصيات مهترئة ودواخلها ممزقة، تعكس عيونها الأسى والطيبة والشهامة بقدر ما يعكس حالها سقوط هذه الشخصيات صرعى ظروفها، فيبدو واقعها انغماساً في حياة الليل والرذيلة والسلوكيات المنحرفة وغير الأخلاقية، ومن أجل ذلك يستخدم الأسلوب الاستبطاني في حالة ما إذا أراد إدخال القارئ إلى أعماق نفسية الشخصية، ليقربه من عقدها ونقاط ضعفها وقوتها.
ولأن شكري يدرك أهمية إظهار حركية شخصياته، فإنه يقدمها كأفكار ثم كأفعالٍ، فيلجأ عندئذٍ لاستخدام الأسلوب التصويري ليظهر دينامية تحولاتها الدائمة والمضطربة وهي تصارع الحياة وتتقلب بين العبثية والعدمية والانكسارات من جهة، والرغبة في فعل شيء أو الحلم به على الأقل.
وشخصية فاطي الساقية واحدة من هذه الشخصيات التي احتاجت من شكري أساليب التشكيل مجتمعة ليقدم شخصيتها المتمردة الملعونة والضعيفة الحساسة بآن، فتظهر في نص (وجوه) فتاة ليلٍ لا تعرف معنى أن تحب أحداً، تعمل العمل الوحيد الذي علمته لها (لّلاشفيقة) العاهرة، ولكنها تظهر وفاءً لهذه المرأة التي (تولت رعايتها) قلّ مثيله بين أقرانها.
ويرسم شكري باستخدام الأسلوب الاستبطاني شخصية (فريد) الذي يعاني جملة أمراض نفسية منها الهذيان الذهاني والوساوس القهرية، إضافة إلى الشذوذ الجنسي.
وكذلك الأمر مع شخصية ريكاردو التي يشكلها محمد شكري بطريقة المزج كشخصية متقلبة غريبة الأطوار، فهو ـ ريكاردو ـ لا يجد نفسه في هذا الوسط البائس والهامشي الذي يحياه، لكنه في الوقت نفسه يقبل بوضعه المزري ويفضله على مغادرة مدينة طنجة التي يحب، ويبدي الاستعداد لفعل كل ما يلزم للبقاء فيها.
إذاً، تنوع مرجعيات وظروف الشخصيات في النص فرض طريقة المزج التي اتبعها شكري في تشكيل شخصيات نصه، هي طريقة قدمت لنا شخصيات موصوفة بدقة متناهية، مما يجعلها شخصيات مكشوفة المعالم والمرجعيات، لكنها في المقابل غير قابلة للتكهن بسلوكياتها وردود أفعالها، مما يترك المتلقي في حيرة من أمره أمام هذه التركيبة النفسية التي تتسم بها الشخصيات.
ولا يختلف الأمر كثيراً عما فعله إدوارد سعيد في تشكيل شخصيات سيرته الذاتية (خارج المكان)، فهو بدايةً وباستخدام الأسلوب التقريري المباشر يقدم لنا شخصيته ذاتها بأقصر الطرق للوصول إلى تمكين المتلقي من فهم موقفه الفكري تجنيباً له من الوقوع في الالتباس، فيقول: «آمل أن لا أبدو متبجّحاً إن قلت إنَّ الجديد في (إدوارد سعيد) المركّب الذي يظهر في خلال هذه الصّفحات هو عربيّ أدّت ثقافته الغربيّة ويالسخريّة الأمر، إلى توكيد أصوله العربيّة وأنّ تلك الثقافة إذ تلقي ظلال الشكّ على الفكرة القائلة بالهويّة الأحادية، تفتح الآفاق الرّحبة أمام الحوار بين الثّقافات»(5).
لكنه يغير هذا الأسلوب عندما يتعامل مع شخصيته الديناميّة المركبة، فيسرد ذاته سرداً وجدانياً ينطوي على الكثير من الحزن الشفيف، فيلجأ عندئذٍ لأسلوب التشكيل الاستبطاني، يقول: «تخترع جميع العائلات آباءها وأبناءها وتمنح كلّ واحد منهم قصّة شخصيّة ومصيراً، بل إنّها تمنحه لغته الخاصّة. وقع خطأ في الطّريقة التي تمّ بها اختراعي وتركيبي في عالم والديّ وشقيقاتي الأربع، فخلال القسط الأوفر من حياتي المبكّرة، لم أستطع أن أتبيّن ما إذا كان ذلك ناجماً عن خطئي المستمرّ في تمثيل دوري، أي عن عطب كبير في كياني ذاته، وقد تصرّفت أحياناً تجاه الأمر بمعاندة وفخر وأحياناً أخرى وجدت نفسي كائناً يكاد أن يكون عديم الشخصيّة وخجولاً ومتردّداً وفاقداً للإرادة غير أنّ الغالب كان شعوري الدّائم أنّي في غير مكاني»(6).
ويقول في مقطع آخر: «هكذا أصبحت (إدوارد) مخلوقَ والدي، تراقبه في عذاباته اليوميّة ذاتٌ داخليّة مختلفة كليّاً عنه لكنّها على درجة من فتور الهمّة بحيث تعجز في معظم الأحيان، عن مساعدته».(7).
وفي إطار رسمه للشخصيات في سيرته الذاتية (مدارات 1 سيرة زمن) يتبع عبد الكريم الناعم أيضاً أكثر من أسلوب، فقد اعتمد الناعم الأسلوب الاستبطاني في رسم شخصية والدته، وهي ذات أثر بالغ في تكوين شخصيته، وساهم خوفها عليه ـ كونه وحيدها ـ في معاملتها له بكثير من الحذر الذي بلغ حد القمع، يقول: «كانت الأم شديدة الحساسية والحنان، متقلبة المزاج، مزاجها مزاج فنان، إذا أقبلت وكانت راضية شعّت الشفافيةُ والأنس واللطف والدعابة، وإذا غضبت عكّرت الهواءَ من حولها، لسانٌ قارص ووجه غاضب، وكان الله في عون من تلسعه»(8).
فيما استخدم عبد الكريم الناعم مزيجاً من الأسلوبين التصويري والتقريري في رسم بعض الشخصيات المهمة، مثل: شخصية الشرطي، ويصور المقطع الوصفي التالي كيف يصف الشرطي: «الشرطي الذي اقتربت منه بخوف ورجاء كان غليظ الهيكل، لكأنه ركب في وسطه (خضّة) أو برميلاً، وفق ذلك الهيكل الناتئ على الأمام، المسنود مما يلي البطن، المستدير المستطيل، شيء يشبه الجزع مائلاً نحو الخلف باسترخاء من لا رغبة لديه بالاستيقاظ، فوق ذلك رقبة قصيرة ذكرتني برقبة العجل الذي نطح حمدو السليم فأوقعه في الطين، فوق تلك الرقبة وجه منتفخ، مشبع بالحمرة، وفوق شفته مربع من الشعر القصير أسماه شارباً»(9).
هوامش:
1 ـ والاس مارتن، نظريات السرد الحديثة، ترجمة: حياة جاسم محمد، المجلس الأعلى للثقافة، 1998، ص 152.
2 ـ المصدر السابق ـ ص 152.
3 ـ د.محمد عزام ـ شعرية الخطاب السردي ـ اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق ـ 2005 ـ ص 12.
4 ـ محمد شكري ـ وجوه ـ دار الساقي، ط1 ، بيروت 2000.
5 ـ إدوارد سعيد، «خارج المكان»، ترجمة: فواز طرابلسي، دار الآداب، بيروت، ط1، 2000، ص 10.
6 ـ المصدر السابق ـ ص 25.
7 ـ المصدر السابق ـ ص43.
8 ـ عبد الكريم الناعم ـ مدارات (1) ـ سيرة الزمن ـ وزارة الثقافة ـ دمشق ـ 2005 ـ ص 9.
9 ـ المصدر السابق ـ ص133