مقالات

“دولة الخرافة”.. هُزم التنظيم فماذا عن أيتامه؟

“باقية.. وتتمدد” هو الشعار الذي تحدى به أنصار تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أعداءهم طيلة سنين ولم يكلفوا أنفسهم عناء التدقيق في أوهامهم بخصوص مقومات قناعتهم به.

هزم التنظيم في معظم مناطق سيطرته في العراق وسوريا، وما زالت هزائمه تتوالى، رغم بعض الهجمات اليائسة التي يشنها هنا وهناك، وهي بالمجمل ليست ذات أهمية تذكر على صعيد التكتيك العسكري ولا استراتيجيات الحرب ذات الأهداف ممكنة التحقيق.

هزم التنظيم وتشظى إلى مجموعات تبحث عن مواقع نائية تأوي عناصرها إلى حين، بانتظار تسويات محلية الطابع في معظمها، تساهم في فرز عناصره بين أجانب “مهاجرين” لا أمل لهم بالنجاة في ظل خوف وهلع حكومات بلدانهم الأصلية من عودتهم حتى إلى المعتقلات، وآخرين من أبناء المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم، التحقوا بصفوفه راغبين أو مكرهين، يجري البحث لهم عن صيغة تعيد تأهيلهم بعد محاسبتهم عن جرائم ارتكبوها بحق أبناء بلدهم، لن ينساها مجتمعنا، خاصة أن معظم جرائمهم تحمل في طياتها دوافع انتقامية عشائرية أو عائلية، ليس من السهل التسامح فيها وطي ملفاتها كأنها لم تكن.

هزم التنظيم وتلاشى كل أثر لقادته الذين ملأوا فضاء الإعلام بخطابهم الدموي التكفيري الهمجي، ومشاهد جرائمهم البشعة بتأثيرات هوليودية تقشعر لها الأبدان، كما ملأوا الأرض بدماء أبنائها الأحرار، ومعتقلاتهم بآلاف المعارضين لفكر التطرف والإرهاب، والهيمنة على الناس وإرادتهم بالقوة والقهر.

اختفى قادة التنظيم كما اختفى معهم معتقلوهم دون أثر يدل عليهم أو على رفاتهم التي ينتظرهم أو ينتظرها أهلون لهم، لم يفقدوا الأمل بلقاء أحبابهم المخطوفين والمغيبين قسرياً منذ سنين.

اختفى قادة تنظيم القتل والتفكير والبهلوانيات الخطابية في غمضة عين، بعضهم حملته طائرات الأجهزة المخابراتية التي وظفتهم، حملتهم بعيداً نحو أرض جديدة لا يعلمها إلا الراسخون في علم نقل وتجهيز وترتيب شؤون الإرهاب العالمي، وبعضهم الآخر اختفى بعد أن حمل ما خف وزنه وغلا ثمنه من ثروات نهبها من جهد وعرق وتعب الناس البسطاء الذين خدعت كثيراً منهم دعوات الجهاد وإقامة شرع الله في أرضه، وما إن اختبر حكم جلادي التنظيم حتى تأكد له بالدليل القاطع الدموي أن هؤلاء تجار دين ودم، ليس إلا!

هزم التنظيم واختفى قادته، عظماء الإجرام والتطاول على حقوق وحريات الناس، ولم يبق من أثر للتنظيم والقادة إلا أكوام دمار البيوت والمدارس والمستشفيات، وآلاف الشهداء الأبرياء من المدنيين، وملايين المهجرين والنازحين الفارين بأرواحهم من إجرام تنظيم “دولة الخرافة” ومجازر قوات الدول والمليشيات التي فوضت نفسها بمحاربة التنظيم، والقضاء عليه، فنجحت في تفتيته، بكل تأكيد، لكنها في الطريق إلى تحقيق هذا النجاح قتلت من المدنيين، أطفالاً ونساء وشيوخاً أضعاف عدد عناصر التنظيم، الأحياء منهم والأموات.

هزم التنظيم واختفى قادته، وخسرت البلاد أجيالاً وحضارة وعمراناً ومقدرات لا تقدر بثمن، وبقي الجهلة والأبواق والمخدوعون والمرتزقة من دولة التنظيم وجرائمه وخدماته مدفوعة الثمن للأنظمة المستبدة والأجهزة المخابراتية، بقي هؤلاء أيتاماً بلا معيل ولا سند، إلا من كان قادراً منهم على تبديل جلده والقفز من مركب تنظيم الخرافة الغارق، إلى مركب تطرف وإرهاب جديد أو موجود أصلاً، مماثل لمركبهم السابق في قدرته على منحهم أسباب البقاء والارتزاق والإجرام.

أيتام التنظيم البائد هؤلاء لا يشكل اكتشافهم ومعرفتهم معضلة معقدة، فذاكرتنا تحفظ أسماءهم ووجوههم وخداعهم وجرائمهم، ومتاجرتهم بثورة وأحلام شعب قدم من أجل هدف الوصول إلى حريته وامتلاك حقه بالمواطنة والكرامة والمساواة كل ما يملكه من إمكانيات وصبر ودم.

هؤلاء.. أولى الناس بالمحاسبة وإحقاق الحق فيهم، مثلهم مثل بشار الأسد، مجرم العصر وقاتل أطفال الغوطة وخان شيخون بالأسلحة الكيماوية، وآلاف المعتقلين بالتعذيب والتجويع.

هؤلاء.. الذين لن ننسى مواقفهم الإعلامية والسياسية المدافعة عن “جنود الدولة الإسلامية” وحلم خليفتها الإرهابي بفتح روما، كما لن ننسى تهليلهم لصولات سيوف عناصر التنظيم في رقاب ودماء الأبرياء وحججهم الفارغة في تسويق بطولات “جنود الخلافة” وهم يقتلون البشر ويدمرون الحجر، في الوقت الذي كانت تجارتهم في النفط والقمح والغاز مع نظام البراميل تعيش أزهى عصورها.

أيتام تنظيم “دولة الخرافة” ينقلون بنادقهم الآن من كتف “داعش” إلى كتف “النصرة” وغيرها، يروجون لتنظيمات أدهى وأكثر خبثاً في أساليب تكريس الفكر المتطرف وتغييب عقول البشر واستغلال حاجاتها في زمن الحصار والتجويع والتهجير، وما زالت أدواتهم تتمتع لدى العامة بالقدرة على التأثير، مستغلين الدين وقوة السلاح والترهيب في زرع أفخاخ التطرف والتمييز بين البشر، وانتهاك حرياتهم.

هؤلاء، وايديولوجيا التطرف التي يروجون لها، يتمددون رغم ثقتنا أنهم ليسوا باقين.. هؤلاء، كما نظام بشار القاتل وحلفائه المرتزقة والطائفيين، هم العدو.. فاحذروهم.

الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *