ويضيق كونُ الله بي
شعر: عمر إدلبي
وإذن
تخَطَّاني السَّحَابُ فكيف أنمو؟
كلُّ هذا البحرِ
لا يكفي لترتعش الشواطئُ
من أصابعِ موجةٍ لي
كلُّ هذا الواقعِ الكرويِّ
والمشدودِ من صنارةِ اللاَّحدِّ
لا يكفي لأكملَ بعض قوسٍ واحدٍ
من دورة الأحلامِ
لا يكفي لأنضجَ فرقداً
ما بينَ حبَّاتِ السَّماءْ.
وإذن تخَطَّاني البكاءُ ولا أُغنِّي،
كلُّ موجِ الدَّمع لا يمضي بعينيَ
نحوَ بستانِ الصَّفاءْ.
الأرضُ جسرٌ
لا يوَرِّثُني الوصولَ إليكِ
عودي يا حبيبةُ
إن هذا الوقتَ يرتجلُ الجهاتِ
ولم يحالفني
على بوابةِ الفنجانِ
برجُ الحظِّ
أرضُ الحبِّ واسعةٌ
ولكنَ الجهاتِ كما الخواء..
سيقولُ بصاصٌ لسيّدهِ
افتتاحٌ باردٌ لقصيدة كونيةٍ
فاهنأ بعرشكَ سيدي.
ويقول عصفورٌ:
سيغدو شاعرُ الكلماتِ
جاريَ بعدَ وقتٍ ساخنٍ،
والوقتُ لي.
محض اشتعالٍ في الأظافرِ
ليس إلاّ،
فليمارس همَّهُ البصاصُ
آن أعدُّ أقلامي
لتدهمَ شاطئ الصمتِ الطويلِ
بصرخةٍ لا تنجلي
قهرٌ مضى،
أنا في المهبِّ
تُطَوِّحُ الرِّيحُ السَّنابلَ والرُّؤى
لا طورَ يعصِمُني منَ الأشواكِ
إِذْ تَعلو سريعاً
قمَّةَ الأشياءِ
لا خيطاً شفيفاً
من أصيصِ الهمسِ
يقضي باستواءِ سفينتي الظَّمأى
على الجُّوديِّ
والأشعارِ
والبلدِ الأمينْ
قهرٌ مضى
كَفَّاهُ أبعدُ عن شفاهي
لن أقولَ حزنتُ بَعْدَه.
قهرٌ مضى،
حسبوهُ خلاّقَ الهواءِ،
مرتّبَ الأقدارِ
مُجريَ فُلكنا في ظلمةِ اليمِّ
المحيطَ ولا يُحاطُ
فمن يحيطُ الدّودُ عندَه؟
سمّوهُ باسمِ شموخها
والشّامةُ الفيحاءُ ـ أقسمُ ـ
كنتُ أسمعُ حزنَها خلفَ الستائرِ
كانتِ الحاراتُ تبكي
آنَ يسرقُ من شوارعها
أهازيجَ الصّبايا
كان دمعُ الشَّامةِ الأحلى يفورُ كنبع مُهلٍ
ثمَّ يحبسُ غيمَهُ النَّاريَّ
كي لا يُفلِتَ الطاغوتُ جندَه.
وسيكتبُ البصَّاصُ
إنّي شامتٌ،
حسناً..
سيخذلُهُ وجودُ الضّدِ في التأويلِ
إن أَبديتُ ضِدَّه.
قهرٌ مضى،
والليلُ جسرٌ
تَربُتُ الأزهارُ في قلبي على خدّيهِ
كي أرثَ الوصولَ إلى صباكِ
ولم أَصِلْ.
فعلامَ تسألني رموشكِ
عن فضاءِ السوسنِ البرّيِّ
في شعري
وهذا الدَّمعُ في عينيَّ
لم يجمعْ بكفَّيهِ المخاوفَ كلَّها
أَمسي يسابقُني أَمامي،
والدُّروبُ تُعِدُّ ظلمتَها
لتَخفِقَ في سكوني
كم تبقَّى للغبارِ السرمديِّ
لكي يفاجئَني بلا جَدوى مسيريَ
ثم يتركني غريقاً
في مَسَارات تَميلُ
إذا احتفظتُ بسمتِ روحي
لم أَمِلْ.
ويضيقُ كونُ اللهِ بي
أخشى إذا نبضي يخاصمني
ولم تسقط عروشُ الشوكِ بعدُ
ولم أعطر جبهتي بعبير ليمونٍ
تمادى في الغيابْ.
أخشى يغادِرُني التُّرابُ
فلا أرى
لوقوفِ قامتيَ الضئيلةِ فسحةً
تحنو على قدمي المعلَّقِ في السَّرابْ.
أخشى على البَارُوكِ
إن نَادَيتُ غرَّتَهُ يردّدني الصَّدى.
ويضيقُ كونُ الصَّوتِ
أسمعُ صمتَهُ
يرتدُّ سكّيناً عليَّ،
فكمْ سيلزمُني منَ الأحبابِ
كي أتنفَّسَ الأحلامَ
ملءَ الوقتِ
ملءَ شهيقيَ الباقي
ويشتعل النَّدى.
والأرضُ جسرٌ
لا يورِّثُني الوصولَ إليكِ،
هذا القهرُ
يرشحُ من سقوفِ البيتِ،
من فستان والدتي،
ومن أزرارِ جبَّةِ مَن وَلَدْ.
والقهرُ يرشحُ
من ثقوبِ النصِّ
والتفسيرِ،
من شورى تشاور نفسها
والقهرُ قهراً يزدَرَدْ.
حتّامَ نهضمُ صخرةَ العرشِ المسدْ؟
والرِّيحُ
تُمْضِي أوَّلَ السَّرَحَاتِ حولي
آخرَ الخطواتِ في جرحي
وَتَزْحمني لأَصْغُرَ في ثيابي
ثم تُدْخِلُني بجَيْبِ الموتِ
عودي يا حبيبةُ
إِنَّ هذا الغَيمَ
لن يبكي على شبَّاكنا
والأرض لن تُطوى
ليمتَدَّ الزَّفافُ على صراطِ الماءِ
لا تقفي طويلاً في انتظاريَ
لن أجيءَ على حصانِ الشَّمسِ
لن أَحظَى بحبلٍ من صهيلِ الضّوءِ
كي أتسلَّقَ الأفقَ المُضَاءْ.
لم يبقَ إلا دمعُك الصَّافي
أخبئهُ بجرَّةِ وحدتي
مِنْ أَجلهِ
من أجلِ أن تَهمي جداولُهُ على قلقي
فأَحيَا في شقوقِ الموتِ
لا تَبْكِي
على كَتِفِ المحطَّةِ،
لن يدقَّ البابَ حلمٌ
كَمْ أَضأتُ لِطَيفِهِ
مشكاةَ صدريَ
ثم أطفأني كماءٍ من سرابْ.
عُودِي
فلن تَمْضِي الذِّئابُ بغيرِ صوتيَ
ثمَّ لَنْ آتي
بصمتيَ كالضَّبَاب.
(10 حزيران 2000)
يوم وفاة الطاغية حافظ الأسد
***