ماذا تبقـّى لقلبي
إلى : معتصم دالاتي
شعر: عمر إدلبي
لم أكن نادماً
إذ رنينُ الكؤوسِ
استمالَ خروجي عن الصّحوِ
واهتزَّ فيَّ الغمامْ .
مرَّةً
والنسيمُ الخفيفُ يمرُّ بقربي ،
تركتُ له بابَ بيتي مبتسماً
والستائرَ راقصةً
والسكونَ على أهبةِ الليلِ ،
شفَّ به الشوقُ للظلِّ
حينَ تأمّلَ من ثغر بابي
طفولةَ وجنتهِ في المرايا
فألقى جناحيهِ فوقَ هديلي، ونامْ.
لم نكن طائرَينِ
لتُدني السماواتُ أزرقَها الملكيَّ
من الهمس في ريشِ أصواتنا ،
كنتُ دفترَ طفلٍ ،
وكان يهزُّ الأغاني
فتسقط قربي حروفُ حدائقهِ الخضرُ ،
حيّرني !
أيُّ وردٍ سأفتتحُ الأبجديةَ فيهِ ؟
على غصنِ شعرٍ جلسنا ،
يداهُ تُعدَّانِ طوقاً من الياسمينِ
تمنيتُ لو مرَّ بي خيطُهُ ،
وتمنيتُ أسقطُ من فوقِ غصني
ليدليَ ما بيديهِ منَ الياسمينِ
فأنتهز الطوقَ أرجوحةً ،
لو ينام على ركبتَيّ سهري
فأهدهدُ حزنَ رؤاهُ
بوردِ المنامْ.
أيّنا كانَ نبعاً
لتنداحَ من حولنا
كلُّ هذي العذوبةِ ؟
كانَ انهمارُ الندى
فاضحاً للجوابِ ،
رفوفُ العصافيرِ في شفتيهِ ،
الغيومُ التي شكَّلت دمعها
بأناملَ سكرى كناراً
يحطُّ على صوتهِ ،
النَجَمَاتُ التي قبسَتْ
قطرتينِ فقط
من عصيرِ سناهُ
فهامَتْ إلى آخرِ الليلِ ،
ماذا إذن يتبقى لقلبي ؟
أينفطرُ الآن نهرينِ
كي يدركَ البحرَ فيهْ ؟
وبماذا سيغري الفراشاتِ
حتى تعلّمه درسَ فتنتها
وتدلَّ هواهُ على قرية اللونِ
كي يتقمَّصَ سحرَ يديهْ ؟
قطراتُ رحيقِ ابتسامتهِ
كيفَ أُبحرُ عمرينِ
حتى أجمِّعَهُ عسلاً ماطراً
في شفاهي
يوازي ندى شفتيهْ ؟
لم أكنْ نادماً ،
إذ قرنفلةٌ
غمزتني برمشِ نسيمٍ خفيفٍ ،
فملتُ كصفصافةٍ تعشقُ النهرَ ،
صارَ النسيمُ شفيفاً
وصارَ المدى كوثراً
يترقرق سُكْرَاً
على راحتيهْ.
* * *
صيف العام 2000