الشهيد
شعر: عمر إدلبي
ولأَنتَ وحدَكَ
– أَستميحُ الرّيحَ عذراً-
من يُمَرِّرُ غيمةً
لتقيمَ قدّاساً نديَّاً
من ضفائرِها بقربي.
ولأنتَ وحدكَ
من أُبايعهُ النَّبيَّ على صلاتي
أذرفُ الحجَّ الأخيرَ
على عباءتهِ
فتعرجُ نجمةٌ لسماءِ قلبي.
لا ظلَّ إلا ظلُّ فردوسٍ
تَهاطَلَ من دماكَ
أَرى المدى حولي تقمَّر بالحرائقِ
لم يقاسمني ائتلاقَ رؤايَ
لم يُخْرِسْ فحيحَ البردِ
في أوصالِ دربي.
هذا المدى
ما مسَّهُ ضوءُ الهديلِ
سريرُهُ الشّوكيُّ يعرفني
بلا رَحِمٍ
ولِدْتُ على يديهْ.
للريح يُسبلُ خوفَهُ
ويَئِمُّهُ عشرونَ جرحاً نازفاً
حتّى حدودِ الانفجارِ
يَطُوفُ في عينيَّ
أعرفهُ
كأنّي ما خَلَعْتُ تلفّتي إلاّ إليهْ.
هذا المدى العربيُّ صبارٌ
تربَّصَ بالأكفِّ
وقد تطاولَ وجهُها للغيمِ،
صبَّارٌ
يفتّشُ عن حناجرَ
لم يطيّر من حدائقها البلابلَ
نهرُ جوعٍ
يقتفي غبشَ الخيامِ
ولا يغادرُ ضفتيهْ.
آنستُ وهجَكَ في رؤايَ
يُبعثرُ الأنّاتِ
يفركُ بالندى مصباحَ أحلامي
ويعصرُ كرمةَ الوَدَقِ الفتيِّ
براحتيَّ
وينفضُ الظَّمأ العصيَّ
عن الشفقْ.
كم كان دفئاً
حين يملؤني حضورُكَ
في دمي متأبطاً غارَ الإلهِ
فأرقبُ الإشراقَ في صوتي
أرى لجبينهِ جنحاً،
ولي جنحاً
من القمرِ الطفوليِّ الشقائقِ
والحبقْ.
كم كان دفئاً
أن أُحبَّكَ سيِّدَ الجنّاتِ
مَرْمَرَني نحيبُ الأرضِ
خُذني دونَ زادٍ
للبياضِ السّرمديِّ
أعودُ سنبلةً تفوحُ الشّمسُ من أردانها،
يا وجهَكَ المقطوفَ من شجرِ الصلاةِ
تلألأت وجناتُهُ بهدى السماءِ،
لنورِهِ مطرُ السّلامْ.
ما زِلتَ وحدَكَ
من أُكبّرُ باسمهِ
فأرى حبالَ القمحِ تورقُ في جبيني
والنَّخيلَ يرتّلُ الآفاقَ
يجهرُ بالحمامْ.
وتظلُّ وحدَكَ
حارسَ الأقمارِ،
ملحَ الأرضِ،
مفتاحَ المنى،
يصغي لرحلتِكَ ارتعاشُ خطايَ
حتّى أعبرَ الآنَ الولادةَ
ليلةَ الحرّيةِ الحمراءِ
مجداً من مطر.
ونُعيدَ للنخلِ المدلّى
من نجومِ النارِ
كوناً باتّساعِ الحبِّ فينا
فاقرأ الآنَ السلامَ
على طفولةِ كفّنا
يا سيّدي،
كبُرَ الصغيرُ على الأماني
وارتدى صوتي الغمامْ.
(أيلول 2000)
***