حـالات
شعر: عمر إدلبي
المطـــــر
حبلٌ من دمعِ الغيبِ
تقطّعهُ الزّفراتُ إلى قطراتْ .
يتدلّى حتى سقفِ سماء الخلقِ
ويبدأُ رقصتَهُ الغيميّةَ ،
يثمل آن يجمّعُ
أطرافَ الأحزانِ إليهِ ،
وينسجُ هالاتِ القطنِ الكونيِّ
بهيئةِ جنّيّاتْ .
تتأمّلُ أَندى أنثى
في عرسِ الهالاتِ
رجاءَ الأرضِ
ورعشةَ كفّيها ،
فتذوب حنيناً
ثم تذوب حبالاً
من ظلٍّ سكرانٍ
تقطَعُهُ صحواتُ الرّيحِ
إلى قطرات .
* * *
الغـروب
للمدى خلع البرتقالُ عباءتَهُ
فتمدّدَ كونٌ كثيفُ العناقيدِ
شرفةَ رقصٍ
لسربِ السنونو .
حاملاً جرّةَ الشمسِ
حتى يبرّدَها خمرةً
لشفاه الصباحِ ،
يفكّرُ ،
لو وردةٌ شاركت جفنَهُ
رحلةَ النّومِ
فوق وسادة ليلٍ
يحطُّ به كلَّ يومٍ
على عتبات العصافير والنورِ
حيث السماءُ أَرَقُّ من الماءِ ،
والزقزقات ندى وفتونُ .
عذّبَتْهُ عيونُ النبيذ قليلاً
فأرخى ستائرَ رمشيهِ
مستسلماً لحكاية قنديله القمريِّ
عن النجمات التي تحرس العاشقينَ
إذا نامَ ،
فابتهج الكحلُ بين رموش مساءاتهِ
ثم غنى السكونُ .
* * *
الحـــزنْ
غيمةٌ في الفضاءِ
أشدُّ سطوعاً من الوردِ
أعمقُ من ياسمينٍ
يسيرُ على شفةِ النهرِ
أعتى من الموجِ
حين تحاصرهُ الريحُ منتصف الشهرِ
أمضى من العاصفهْ .
يغزل الروحَ حبّةَ غيم ٍ
تضئ على الخدّ
كالماس في مخمل الليلِ ،
كأسٌ ودودٌ
يجمّع عائلةَ العمرِ
حولَ حكاياتهِ ،
يبعثُ الأصدقاءَ من اللهوِ
ينسجهم بردةً لشتاءٍ
يحطّ على عشبةِ البالِ ،
يدفعنا بغتةً
لنرى سهرَ الليلِ
فوقَ ندى الأرصفهْ .
خائفٌ أن يظلَ وحيداً
لهذا يطوّفُ ملءَ الزمانِ
على راحةِ الأرضِ ،
لا يقربُ النومَ
لكنه يستريحُ لماماً
إذا ارتعشت بالسكونِ رموشُ عذوبتهِ
واستكانَ لإيماءةِ البسمةِ الخاطفهْ .
كم سيبدو جميلاً
لو انغمرت روحُهُ
بحدائقِ أنثى
وصبّت رحيقَ نداها
على سكراتِ بنفسجهِ النازفهْ .
* * *
خــــوف
لأَنَّ السَّماءَ تُفَتِّحُ أَزرَقَهَا للعصافيرِ
لا تُشْتَرَى .
لأَنَّ الفراشاتِ لا تنتَمي
لحقولِ الرَّصاصِ
تَرَى في السَّنَابلِ مَا لا نَرَى .
لأَنَّ المواويلَ شكلٌ مُقَفَّى لآهاتِنَا
والقصائِدَ طفلٌ
نُوَرِّثُهُ الحُزْنَ بعد اسْمِهِ
والوَصَايَا
أَخَافُ إِذا مَا جَرَحْتُ سُكونَ الحُروفِ
بغيمةِ شِعرٍ
أَخافُ هطولَ جدائِلِهَا مُرَّةً
فتُعاتبُنِي بالبكاءِ القُرَى .
لأَنَّ الجِهاتِ تنوسُ
على بعضِهَا في عُيُوني ،
عَلَيَّ التقاطُ دموعي إِذن
كي أُرَتِّبَ شكلَ الوُصولِ
إلى ساحلِ القَلْبِ
حيثُ الغصونُ على رملِ روحي
تَمِيلُ .
عَلَيَّ الهبوطُ على قِمَّةِ اللَّيلِ
وحدي
لأُنصِتَ للعاشقينَ
وأَنسُجَ من همسهِمْ بُرْدَةً للنجومِ
وأَعرفُ أَنَّ البَلابلَ
تهدي إلى الشُّعراءِ حَنَاجِرَهَا
وتُحَضِّرُ أَجنحةَ الرَّقصِ
حولَ قصائِدِهِمْ
فالقوافي خميلُ .
عَلَيَّ الخروجُ عَنِ النَّصِّ
كي أستقي حِكمةً
لَمْ تُفَتِّشْ عَنِ الغَيبِ فِيَّ
لتنمو ،
لأَنِّي قطفتُ
ثمارَ شبابيَ
وهماً … فوهماً
وكُلُّ الحصادِ الكَثيرِ
قليلُ .
* * *
مصــباح
ما بينَ الزرقَةِ
والتابوتْ .
كم يغدو الزمنُ دبيباً في الطرقات الثكلى
ثم يموتْ !
يتلمّسُ وجهي أرضاً
تمشي فوق النارِ
إلى صوتي ،
كي أمنحها أطواقَ الزهرْ .
ما بين الجنحِ الساكن في قافيتي
والشوك المتربّص بي
يتوهّجُ مصباحٌ كونيُّ
حتى آخر قطرة شِعرْ .
* * *
رغبـــــة
لا أريد من الليلِ
أكثرَ من صمته كي أغنّي ،
ويمسح عن وجهِ صوتي السكونُ
صدىً لا ينامْ .
لا أريد من السُكْرِ
أكثر من صحبتي للتّمنّي
فأمضي أبعثرُ صحوَ خطايَ
على شرفات شرودي
لئلا يطوّحني الهمُّ
ذات الظلامِ
وذات الشموعِ
فيهربُ من برجِ قلبي الحمامْ .
كم أريد لقلبي
أن يتضوّرَ شوقاً
ويبتلَّ بالحبِّ حتى يذوبَ
كما شمعةٍ
بين عشبِ ضلوعي
لكي تتوسَّدَ فوضى مراهقتي
زندَ أنثى
لها وجهُ أمي ،
إذا ما دنا من حدائقِ شِعري
تدلّى الغمامْ .
* * *