البَيَـــــاض
شعر: عمر إدلبي
بعد أن ودّعوني،
المكانُ هنا صامتٌ
يَستفزُّ صُراخي,
وأشتاقُ منذ مضوا
أن يجاملَني عابرٌ
بالحديثِ عن الطّقسِ هذا الصباحِ,
فلن أتذمَّرْ.
المكانُ هنا رَطبٌ،
كيف يَنسونَ معطفيَ الصّوفَ؟
هل قلتُ معطفيَ الصّوفَ؟
يـا للسذاجةِ،
“كانونُ” لم يأتِ بَعدُ،
فكيفَ لهم أَن يظنّوا
بأنَّ المكانَ هنا باردٌ…
رَطِبٌ؟
وأنا مثلهُمْ،
كنتُ مُرتَبِكاً بصغائرَ أَكبَرْ.
المكانُ هُنا ضَيّقٌ,
لا يهمُّ,
فليسوا كثيرينَ،
حتّى ولو أَجمَعوا أَمرَهُمْ
وأتى الأصدقاءُ،
فلن أفتحَ البابَ،
سوف أقولُ لهم:
المكانُ هنا ضيّقٌ،
فاتركوا وردَكُمْ..
ليسَ أَكثَرْ.
كم أَنا واحِدٌ
منذ أن ودّعوني!
يرفرفُ حولي بياضٌ شهيٌّ
تمنّيتُ أحلامَ عمريَ
من لونهِ،
وتمنّيتُ وجهَ البلادِ
كما سحرهِ،
وانتظرتُ قرنفلَهُ وطناً كاملاً،
كان أَن جاءَ أحمرَ …
أَحمرْ.
والمكانُ هنا باردٌ ,
صامتٌ,
ليس إلاّ البياضُ،
ظننتُ العمى أسوداً!!
هل تُراني تعثَّرتُ بالغيمِ؟
أين السّماءُ إذاً؟
ليس غيماً،
فإنَّ الغيومَ لهاثُ السّماواتِ
في البردِ,
أين أنا من شفاهِ السّماءِ؟
فهذا المكانُ هنا ضيّقٌ
ويمرّرُ في أحسنِ الحالِ عصفورةً،
والسماءُ لها ما لها
من رفوفِ العصافيرِ
فيما أَظُنُّ
وما أتذكَّرْ؟
ما يكونُ البياضُ إذاً؟
هل تُراهُ يدورُ المكانُ
على قُرصهِ
ويسابقُ أحصنةَ الضّوءِ؟
أم أنّني ثَمِلٌ من مناديلهمْ؟
كان أبيضُها مفرداً بين أثوابهمْ،
كان أبيضُها عابقاً
ويُشِيعُ اختلافاً مضيئاً
كما قمرٍ فوق خدِّ المساءِ،
كما دمعهمْ …
آهِ …..
هل قلتُ إنَّ مناديلهمْ ..؟
قلتُ إنَّ المكانَ هنا أبيضٌ
صامتٌ ..
رطبٌ..
ضيّقٌ ..
مُنذ أن ودّعوني ..
ولا يتغيّرْ؟
يالهـــذا البياضِ الذي قد تأخَّرْ!!
* * *
شتاء العام 2006
One Comment
جميلة حروفك أبو نوار كلها إحساس..ننتظر المزيد