وكالة أنباء الشعر / سورية / زياد ميمان
شاعر يتغنى بلحن ندي، وصل إلينا صدى بوحا شفافا من فضاءات ابداعية متأنقة، وشفت روحه عن عشق أبدي للكلمة وللوطن والانسان ، وتماهت كلماته مع خصوصية متفردة، حتى انه كان مميزا في اختيار زوجة شاعرة تشاركا على الحياة فكانت روضة من الحب والاحترام وشفافية وعذوبة الشعر ومن هنا كان للوكالة معه هذا اللقاء.. إنه الشاعر السوري عمر إدلبي..
-كيف بدات مشوارك الادبي ؟ ومتى كانت الانطلاقة ؟
في العام 1990 نشرت لي صحيفة العروبة السورية أول قصيدة، ومنذ ذلك اليوم في السابع من نيسان، و أنا أشعر بخوف لا يوصف في كل مرة أنشر فيها نصاً شعرياً او مقالة، أو دراسة نقدية، هذا الخوف جعلني مقلاً في النشر بشكل عام، كما جعلني أتوقف آنذاك عن النشر عامين كاملين، و بقيت كذلك إلى أن أحرجني أحد الأصدقاء أمام جمهور غفير في كلية الآداب بحمص و دعاني لإلقاء قصيدة في احتفال طلابي، بدأت وقتها قصائدي رحلة مواجهة المتلقي، و هي مواجهة تدفعني دائماً لتمزيق قصائد كثيرة، الأمر الذي أخّر صدور مجموعة مطبوعة لي عشر سنوات، و حتى مجموعتي التي فازت في مسابقة الدكتورة سعاد الصباح في العام 1999 مزقتها، لتظهر مجموعتي الأولى /حان وقت الغيم/ في العام 2000 عندما فازت في مسابقة الشارقة.
-في حال كان الزوج شاعراً تستأنس الزوجة بغزل كثير ولكن إذا كان كلاهما شاعر فكيف تكون أجواء العائلة الشعرية.. حدثني عن عائلتك ؟
ليس الشعر كافياً لتكون أسرة زوجين شاعرين أسرة شاعرية، صحيح ان الهواية المشتركة بين الزوجين تجعلهما أقرب، و لكن أسرتي التي تشاركني فيها الشاعرة سمر علوش تفاصيل نجاحاتنا وخيباتنا في الحياة تعيش أجواء الشعر بحكم أنها تأسست على الحب والاحترام أولاً، و على شفافية الشعر وعذوبته هواية و تعاملاً ، ثانياً.
-يتهم البعض قصيدة النثر أنها هي سبب أزمة الشعر الآن كيف تنظر لهذا الجنس الأدبي الجديد؟ وماهو رأيك بوضع الشعر الآن وكيف تقيم عمر المؤسسات الثقافية والأدبية التي تعنى بالشعر والأدب؟
القاعدة الأساس في كتابة نص شعري عندي تقول: جائزٌ في النص الشعري كل ما من شأنه أن يجعله حقيقةً فنيةً ذات بنية جمالية وجوهر إنساني، و هذا المحدد لا علاقة له بالشكل الشعري، ويضع قصيدة النثر عندي في فضاء الشعر، و لا أعير انتباهاً لكل الدعوات التي يتصارع عليها المتصارعون، بالنسبة لي، أزعم أني أكتب الشعر، وإن كنت لم أنشر منه إلا ما هو على نمطي (التفعيلة، العامودي) فذلك لأني لم أنشر منه حتى الآن ما هو على نمط آخر، و ليس لأني لم اكتب قصيدة النثر، فلست محاصراً على الإطلاق بنمط شكلي شعري محدد.
أما فيما يتعلق بأزمة الشعر ، فليست قصيدة النثر سبباً فيها، و لا الحداثة الشعرية، الوضع الثقافي العربي لا يقول بأزمة يعانيها الشعر وحده، الأزمة في جوهرها أزمة فقدان للحرية، بسبب سطوة السلطات القامعة المتعددة والمختلفة، وهي بالتالي أزمة وجود وهوية للإنسان العربي وخصوصيته الثقافية، وغياب الشعر أو تراجعه أمام الكثير من الفنون لايعني أيضاً أن الشعر سقط بالتقادم، ولا بالاستبدال، كما أنه لا يعني أيضاً أن الشعراء بريئون مما يعانيه الشعر، ولا يعني بالتالي أن مسؤولية النهوض بالشعر وبالفكر وبالأمة مسؤولية الشعراء وحدهم.
ولا ننسى هنا دور و مسؤولية القائمين على المؤسسات الثقافية في هذه الأزمة، فهم في الأعم الغالب موظفون، لا يشغلهم هم الإبداع و لا الثقافة، و لا رضا الوسط الثقافي، بمقدار ما يشغلهم هم إنجاز عمل وظيفتهم بشكل يرضي مدراءهم.
-لكل شاعر خصوصية عندما يستشعر وهناك من يقول بأنه يكون تحت سيطرة القصيدة حتى تكتمل فماذا تصنع بك القصيدة بعد أن تمتلك على مشاعرك ؟
عندما اكتب شعراً يتملكني الإحساس بالأسر، أسر الشعر، و هو الأسر الوحيد الذي لا يشبه إلا الحرية، بالشعر يتنزه الشاعر في عوالم روحه، عبر رحلة ينفلت فيها من الثوابت، وضيق المكان، و تسرب الزمان، رحلة تتجول فيها القصيدة و شاعرها على جناح اللغة، في سمو خلاق عن النفعية، هكذا أعيش الشعر، في بواكير قلقه، قبل الكتابة، و أثناءها.
– هل استوفى النقد دراسة تجربة عمر إدلبي الشعرية ؟ وهل لك عتب على ناقد ما تعامل معك بصفة شخصية ؟
النقد عموماً عاجز عن مواكبة تجارب شعراء العربية، باستثناء بعض الأسماء، و هي أسماء تستحق دون شك أن تواكب نقدياً، و لكن تقصير النقد أصبح أكبر من أن يتم تداركه، فالساحة الشعرية تزخر بتجارب كثيرة تستحق الاهتمام، و الساحة النقدية تفتقر للنقاد، رغم وجود بعض الأسماء الكبيرة أثراً و فاعلية، و جدية، و بصراحة ،، لا يشغل بالي التفكير بمواكبة النقد لتجربتي عبر الإعلام، فأنا أسعى بنفسي للنقاد الذين احترم علمهم و أختبر شعري على مقياس ذائقتهم و علومهم في كل مرة أشعر فيها أني أجرب في مساحة شعرية جديدة علي، و أستفيد من كل رأي يوجهه النقد لتجربتي، حتى ذلك النقد السلبي الذي وجهه لي و لتجربتي نقاد انطلقوا من خلفيات شخصية في تناول شعري، فكل رأي ، و لو كان متحاملاً من حيث المبدأ ، يسعى صاحبه لتعليله منطقياً، وهنا يجب على الأديب أن ينتبه إلى تلك النقاط التي استند إليها المنتقدون في تعليل آرائهم المتحاملة، و سبق لي أن تعرضت لمثل هكذا نقد، كسبت منه الكثير، و خسر الناقد مصداقيته، و الوقت عندي ضيق، أحترمه بتكريسه للقراءة، و الكتابة، و العمل، و لن أقتطع منه حصة للعتب على النقاد.
-من يعجبك تجربته الشعرية من جيل الشعراء الشباب ؟ومن تعتبره شاعر عصره ؟
أزعم أني من المتابعين الجادين للتجارب الشعرية العربية الجديدة، و خاصة في سوريا، وأستطيع القول بثقة إن عدداً كبيراً من شعراء سوريا الشباب يقدمون أنفسهم بشكل يليق بالشعر الحقيقي، و بطموحاتهم، والأسماء كثيرة حقاً، كما أن الساحة الشعرية العربية زاخرة بشعراء شباب متميزين، أتمنى أن يحدثوا مع نظرائهم السوريين نقلة جادة في مسيرة الشعر العربي.
أما فيما يتعلق بلقب شاعر العصر، فأزعم أن هذا اللقب يجوز إطلاقه على شعراء راحلين، كالمتنبي و نزار و درويش، لأنهم قدموا للشعر العربي ما يفوق في أهميته كل ما قدمه الشعراء العرب مجتمعين، و هذا لا يمنع أن أسماء كثيرة تتشارك الآن في تقديم شعر عربي غاية في الأهمية، مثل جوزف حرب، أدونيس، نزيه أبو عفش، شوقي بزيع، قاسم حداد، و غيرهم الكثير.
-لو كنت محكِّما في مسابقة أدبية شارك فيها شعراء شباب، ماهو الشيء الذي تركز عليه في تحكيم قصائدهم لتصل إلى المستوى المطلوب ؟
هي أشياء محددة، و مراوغة في آن، و منها امتلاك أدوات النص الشعري، و لا سيما اللغة و الخيال، ثم الشاعرية و فرادة صوت الشاعر و ابتعاده عن النمطية والتكرار، و القدرة على انتقاء الأسلوب المناسب للرؤية التي يتوخى التعبير عنها في سياق بنائه نصه الشعري.
–نلت الكثير من الجوائز العربية والسورية هل يمكن المقارنة بينها وهل هل أنت راض عن المسابقات التي تقام بسورية؟
كل الجوائز مهمة، و غير مهمة، مهمة عندما تمنح الأديب فسحة فرح بالتكريم الذي استحقه جهده الإبداعي، و غير مهمة من جهة عدم تقديمها فائدة تذكر تساهم في تطوير تجربته الإبداعية، خاصة أن هذه الجوائز لا تتبع بجهد نقدي يقدم للمبدع رؤية كاشفة لنقاط قوة نصه الإبداعي و ضعفه.
سعيد أنا بكل جائزة نلتها، ولا سيما جائزة دبي الثقافية وجائزة الشارقة، و جائزة اتحاد الكتاب العرب في سوريا، أعني جائزة الدكتور نبيل طعمة، دورة الشاعر نزار قباني، و لولا هذه الجوائز أعتقد أنني ما كنت نشرت أي ديوان شعري
المسابقات الأدبية في سوريا تعاني كثيراً، و خاصة على صعيد ضآلة مكافآتها المالية، باستثناء المسابقة المركزية لاتحاد الكتاب العرب، و هي حديثة العهد، كما تعاني مسابقاتنا عدم متابعة الإعلام لها، و أخيراً على صعيد العقلية التي تديرها، فهي تبدو كما لو أنها أحمال تثقل كاهل منظميها، مهمتهم الأولى الإعلان عن نتائجها، و من ثم، إلى اللقاء في العام القادم، فلا متابعة للفائزين بها، و لا اهتمام بدمجهم في الوسط الأدبي، و لا متابعة نقدية لنتاجهم الإبداعي.
–هل يمكن اعتبار عالمية الشاعر من خلال ترجمه نصوصه إلى لغات أخرى أم ان نجوميته اعلامياً هي التي ترشحه للعالمية ؟
عالمية الشاعر تستلزم كل ما أشرت إليه، و أضيف على ذلك حاجة السوق الثقافي لنمط وخط شعريين بمواصفات معينة بما يكفل الربحية، فالشعر منتج، و انتشار شاعر ما عالمياً يخضع بطريقة أو بأخرى لاشتراطات السوق،و هذا لا ينفي أن أهم شرط لعالمية الشاعر أن يكون مبدعاً بحق، فالإعلام المعاصر يمنح الجميع فرصاً متساوية تقريباً، و يمضي في الطريق إلى نهايته من يمتلك الأحقية الإبداعية.
-الشعر والمحاماة، كيف يمكن الجمع بينهما وهل يساهم الابداع الشعري في كتابة مذاكرات المحكمة ؟
باعتبار أني لم أمارس مهنة المحاماة إلا لوقت قصير، سأتحدث عن تصوري لعلاقة الشعر بالقانون، دراسة القانون و فقهه تمنح العقل قدرة على استنباط الأحكام التفصيلية من قواعد كلية، هنا تماماً أزعم أن علاقة الصورة الشعرية بالمشهد الشعري من جهة، و بالرؤية الشعرية من جهة أخرى، تشبه هذه العملية العقلية القانونية، أضف إلى ذلك أن دراسة القانون تعلمك كيفية البحث عن ثغرات النص القانوني، للنفاذ منها إلى فكرة تخترق القاعدة، و هذا يشبه إلى حد كبير الخروج عن مألوف الاستعمال النفعي للغة، و اختراق القاعدة الثابتة في دلالات اللغة لصالح الشعرية، و لا أنسى أن القانون يدربك على النظام، وهو قريب إلى حد ما من مبدأ الانتظام، الذي لا بد منه لبناء نص شعري يحظى ببنية رصينة
-كلمات توجهها عبر الوكالة لمن وماذا تقول ؟
أود أن أتوجه بالشكر لصاحب فكرة وكالة أنباء الشعر، و لكل من يبذل جهداً من كوادرها في سبيل مواكبة الحركة الشعرية العربية، و تقديمها بصورة جيدة للعالم كله لا للوطن العربي فحسب، و لك صديقي زياد من قبل و من بعد.